Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الخامس: 3
الاغراءات واضرارها (1)

هناك خسائر كبيرة وكثيرة يتعرض لها المسيحي المؤمن عندما يقرر الاختلاط بالعالم.  فقد حذرنا الرب من خلال كتابه من محبة العالم التي تظهر في محبة المال قائلاً عنها «لأن مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإيمان، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (1تيموثاوس 6: 10). 

لاحظ معي أخي القارئ كلمة: "طعنوا أنفسهم" اى أنها ليست تأديبات مباشرة من يد الرب، لكنها نتائج طبيعية وحصاد تلقائي لمحبة المال والأنغماس في العالم.

 في طريق إختلاط لوط بالعالم وسقوطه في إغراءاته؛ تعرض للكثير من الخسائر سنتامل في بعض منها.

أولاً:  خسارة الشركة مع الرب والمؤمنين
لقد خسر لوط حياة الخيمة والمذبح.  كما خسر شركته مع الرب ومع عمه إبراهيم.  وخسر الفرص الروحية التي كان يتمتع بها مع عمه إبراهيم حيث كانوا يعظمون الرب ويباركون اسمه بتقديم ذبائح الشكر والعرفان بجميله وصنيعه.

أن حياة الأنغماس في العالم والمشغولية الزائدة بالأمور العالمية؛ تفقدك الشركة مع الله، فليس لديك وقت للشركة مع الرب، وليس لديك اشواق روحية لهذه الشركة.  فالحياة العالمية تؤدي إلى إحزان الروح القدس بداخلك؛ فتفقد أفراحك وشركتك.

أخي القاري،
ما أفدح هذه الخسارة إذ يقول عنها المرنم «يَوْمًا وَاحِدًا فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ. اخْتَرْتُ الْوُقُوفَ عَلَى الْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلهِي عَلَى السَّكَنِ فِي خِيَامِ الأَشْرَارِ»  (مزمور 84: 10).  لذلك تمسك بحياة الشركة مع الله والمؤمنين.  ولا تفرط فيها لأجل أمور العالم الفانية والزائلة.

ثانياً:  خسارة السلام والراحة الداخلية
خسر لوط سلامه وراحة ضميره بشركته مع أهل سدوم.  فقد كان عليه أن يجامل أهل سدوم ويشاركهم أفعالهم.  بينما طبيعته البارة، ترفض هذه الأفعال.  لذلك نشأ هذا الصراع الداخلي الذي ادى إلى تعذيب نفسه البارة.  فقد شهد عنه الكتاب قائلاً:  «إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ» (2 بطرس 2: 8). 

عزيزي المؤمن، أن الطبيعة الجديدة التي ينالها المؤمن لا يمكن أن تتوافق مع نجاسة العالم وشر العالم. لذلك يظل المؤمن العالمي معذباً، على الرغم من نجاحه في العالم.  فقد تصل إلى أعلى المراكز وتمتلك الكثير، لكنك لن تتمتع بالفرح الحقيقي، إن كنت لا تمتلك ضمير مستريح.ليحفظنا الرب من هذه الحالة.  وليعطنا دائماً راحة الضمير وأفراح الروح القدوس.

ثالثاً:  خسارة الشهادة أمام الآخرين
لم يخسر لوط سلامه الداخلي فقط بل فقد أيضاً شهادته الخارجية.  لم يصدق أصهار لوط ما كلمهم به عندما حدثهم عن الرب وأنذرهم بخراب الرب لسدوم وعمورة.  فهم لم يعتادوا أن يسمعوا منه مثل هذا الكلام ولم يعتادوا أن يسمعوه يتكلم عن الرب، فكيف له أن يعرف فكر الرب ويأتي إليهم بما سيفعله الرب من جهتهم.  «فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ» (تكوين 19: 14). 

لم يفقد لوط شهادته فقط أمام أصهاره، بل فقدها أيضاً مع كل أهل سدوم إذ سخروا منه قائلين:  «جَاءَ هذَا الأنسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. الأن نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أكثر مِنْهُمَا»  (تكوين 19: 9)، وذلك عندما اراد أن يبعد الأذى عن ضيفيه.

ما أبعد الفارق بين شهادة إبراهيم أمام الكنعانيين الذين حوله عندما ماتت سارة واراد أن يدفنها.  لقد قالوا له: «اِسْمَعْنَا يَا سَيِّدِي. أَنْتَ رَئِيسٌ مِنَ اللهِ بَيْنَنَا. فِي أَفْضَلِ قُبُورِنَا ادْفِنْ مَيْتَكَ، لاَ يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنَّا قَبْرَهُ عَنْكَ حَتَّى لاَ تَدْفِنَ مَيْتَكَ»  (تكوين 23: 6)

وما أصعب خسارة الشهادة، فهناك مؤمنين كانت حياتهم شهادة رائعة قوية، وكانوا يخدمون الرب ولهم تأثيرهم القوي على المؤمنين وغير المؤمنين، ولكن بسبب الحياة العالمية فقدوا شهادتهم ولم يعودوا يصلحون بعد للشهادة.
 
«وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأن يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ»  (متى 5: 13).

أخي القارئ،
ليحفظنا الرب ويحفظ شهادتنا ويجعلنا دائماً سبب بركة لمن هم حولنا ولتكن حياتنا توبيخاً لضمائرهم، وتحريضاً لحياتهم، ونوراً لطريقهم، فيرجعون للرب بسببنا.

مجدي صموئيل