Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الخامس: 2
اغراءات الحياة وأنواعها

هناك أنواع كثيرة للإغراءات يتعرض لها الشخص.  وسنتأمل في بعضها من خلال دراستنا لحياة لوط.

 أولاً:  الإغراءات المادية (الربح والمكسب)
كان الإغراء الرئيسي الذي جعل لوط يقرر الأنفصال عن عمه إبراهيم والذهاب إلى سدوم، أنه رأى كل دائرة الاردن جميعها سقي، اي أن مياه الري متوفرة والزراعة أجود ورعاية المواش أفضل.  كما فكر أنه سيربح أكثر مما لو استمر مع عمه إبراهيم.  لذلك قرر الإرتحال رغبة في المكسب الكبير والسريع.

يتعرض الشخص لضغوط شديدة في هذا المجال، فهناك من راتبه لا يتحدد بالشهر، بل بالساعة.  ولهذا كلما يعمل ساعات أكثر يربح أكثر.  وكلما تزداد ارباحه يشعر أنه هناك مجال للربح أكثر، فيجد نفسه يعمل لساعات طويلة، مما يؤثر على صحته وأسرته وحياته الزوجية.  مع أن الكتاب حذرنا قائلاً:  لأن «اَلْمُولَعُ بِالْكَسْبِ يُكَدِّرُ بَيْتَهُ» (امثال 15: 27). 

وهناك من يستعجل الغني فيلجأ إلى اساليب مختلفة ليحصل على الغنى السريع، فقد يغامر ويقامر بطرق غير مأمونة، فيدخل في المضاربات والبورصة وغيرها ويتحول طموحه إلى طمع ما يجعله يفقد أفراحه وسلامه.  فقد قال الكتاب «اَلرَّجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُسْتَعْجِلُ إلى الْغِنَى لاَ يُبْرَأُ» (امثال 28: 20).

ثانياً:  إغراءات الرفاهية (شهوة العيون)
كان الإغراء الثاني للوط، أنه رأى أرض سدوم وعمورة كجنة الرب كأرض مصر.  فعندما نزل إلى مصر وجد أن المصريين يسكنون البيوت وليس الخيام ورأى قصور الفراعنة وحضارتهم وعرباتهم وممتلكاتهم، فاشتهى أن يكون له ما لهم.  وعندما رفع لوط عينيه ونظر، وجد أقرب مدينة تشبه أرض مصر هي سدوم وعمورة، فأشتهت عينيه الارتحال إلى سدوم.

يتعرض الشخص أيضاً لضغوط شديدة في مجال الامتلاك والاستهلاك.  فليس هناك حدود لما يمكن أن تمتلك فقد تكون امتلكت منزلاً ولكن تشعر أنه يمكنك أن تمتلك أعظم منه، وامتلكت سيارة ولكنك يمكن أن تمتلك أفضل منها أو تمتلك عدة سيارات.  فالعين لا تشبع من النظر.  وهكذا تجد أن حياتك أقصر من أن تشبع فيها عينيك. 

الرب لم يمنعنا من التمتع بأمور الحياة ولكن بدون أن تفقدنا حياتنا الروحية والخطة التي رسمها الله لحياتنا.  ولهذا يحذرنا الكتاب المقدس في رسالة يوحنا الأولى قائلاً:  «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ» (1 يوحنا 2: 15).  كما يصف الرسول بولس هؤلاء الذين لا يفكرون إلا في إمتلاك الأمور الأرضية ويهملون الأمور الروحية قائلاً:  «الَّذِينَ إلههمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأرضيَّاتِ» (فيلبي 3: 19).

ثالثاً:  إغراءات الخطية والحياة العالمية
هذا هو الإغراء الثالث الذي تعرض له لوط.  فقد سئم حياة الخيمة والمذبح، واسلوب حياته مع عمه إبراهيم.  وعندما رفع عينيه ونظر، بهرته أضواء مدينة سدوم من بعيد واسلوب حياة أهلها ووسائل الترفيه التي يتمتعوا بها.  وكذلك الحرية والحضارة التي تميزها؛ لذلك وصفها بأنه كجنة الرب.  وقرر الإرتحال إلى هناك.

إن الخطية موجودة في كل مكان في العالم، والعالم كله قد وضع في الشرير، والكتاب المقدس يحذرنا منه قائلاً:  «هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ»  (2 بطرس 1: 4 )
  
لذلك هناك من يتعرض لتجربة شهوة الجسد.  وهناك من تتجه عواطفها إلى شخص آخر غير زوجها.  وهناك من يتعرض لإغراء إدمان الكحوليات والمخدرات فهي متوفرة وهناك من يتعرض لإغراء القمار وغيرها من خطايا كثيرة. ولكن ليس كل من يتعرض لإغراءات العالم يسقط فيها فهناك أمثلة رائعة لاشخاص أنتصروا على إغراءات العالم، مثل:
يوسف الذي أنتصر على شهوة الجسد. 
والفتية الثلاثة الذين رفضوا السجود لتمثال الذهب. 
ودانيال الذي رفض أن يتنجس بخمر وأطايب العالم. 
ونحميا الذي رفض حياة القصر وفضل عليها بناء أسوار أورشليم.

 ولا يقتصر الأمر فقط على الاشخاص في كلمة الله، ولكننا نرى في كل يوم مؤمنين في كل مكان استطاعوا أن ينتصروا بنعمة الرب على كل إغراءت الحياة.  بل صاروا شهادة رائعة للرب من خلال نجاحم في أعمالهم، ومن خلال حياتهم الأمينة للرب وخدمتهم لشخصه.

أخي القاري،
مهما كانت الإغراءات العالمية من حولك، ثق أن الذي فيك أقوى وأعظم من الذي في العالم.  وأن المسيح قد غلب العالم ويستطيع أن يجعلك تغلب العالم.  فهو الذي قال:  «ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يوحنا 16: 33).  وهذه الغلبة هي لكل المؤمنين، فقد وعدنا الرب
«لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا»  (1 يوحنا 5: 4).

مجدي صموئيل