Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الخامس: 6
الإغراءات واسبابها (1)

ماهي الاسباب التي جعلت لوط يسقط في إغراءات الحياة ودفعته أن يترك عمه إبراهيم ويقرر الهجرة إلى سدوم والسكنى فيها ومصاهرة أهلها؟

ماهي الأمور التي جعلت لوط يفعل هذا؟  ففقد وخسر كل شئ
وماهي الأسباب التي تدفعنا نحن للوقوع في إغراءات العالم، مع أننا ندرك أن محبة العالم هي عداوة لله؟

من خلال دراستنا لقصة حياة لوط نستطيع أن نرى بعض الأسباب والعوامل التي جعلت لوط يسقط في هذه الاغراءات.  وليحفظنا الرب منها ويجعلنا نسهر ونتحذر منها لأن كل ما كتب كتب لأجل تعليمنا وإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور.
 
أولاً:  اختلاط المفاهيم (فساد الذهن)
رفع لوط عينيه ونظر ورأى سدوم وعمورة كجنة الرب كأرض مصر.  «وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدًّا ... وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا»  (تكوين 13: 13 و 18: 20).
 
هذه هي بداية السقوط، عندما تختلط المفاهيم لدينا وتصبح سدوم وعمورة مثل جنة الرب.  ولا ننظر إلى الأمور نظرة روحية مثل نظرة الرب لها، فلا نرى في سدوم وعمورة اي شر مع  أنهم اشرار لدى الرب جداً.

يقيناً في بداية حياتنا مع الرب كنا نرفض أمور كثيرة ونرفض إخراج الله والأمور الروحية من الحياة،  ولكن مع مرور السنين قد يبدأ أعجابنا بالقيم العالمية يزداد والرفض للشر والخطية يقل.  وهذا ما حدث مع لوط، لقد تغيرت عينيه لأن قلبه قد تغير وذهنه قد تغير أيضاً.  فنحن لا نرى فقط بعيوننا ولكننا نرى بقلوبنا واذهاننا، بل أن أفكارنا هي التي تحدد نظرتنا للأمور.

يقول الكتاب المقدس:  «وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (روميا 12: 2).  لقد شاكل لوط هذا الدهر في أفكاره ومبادئه فتغيرت نظرته للأمور وأصبح يتسامح ويتساهل مع الخطية والشر ولا يرفضه.

ما أبعد الفارق بين لوط ويوسف الذي عندما نظر إلى الخطية قال:  «كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إلى اللهِ؟» (تكوين 39: 9).  وأيضاً موسى الذي أعتبر أن الوجود في قصر فرعون تمتع وقتي بالخطية، لهذا رفضه وأختار الاختيار الصحيح.  إذ يقول الكتاب عنه: «بِالإيمان مُوسَى لَمَّا كَبِرَ ابى أَنْ يُدْعَى ابنَ ابنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأنهُ كَانَ يَنْظُرُ إلى الْمُجَازَاةِ» (عبرانين 11: 24 – 26).

أخي القارئ
تذكر هذه الآية دائماً وطبقها في حياتك «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأن مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ»  (امثال 4: 23).  وأجعل قلبك دائماً ممتلئاً بكلمة الله، وخاضعاً لمشيئته، فتستنير عينيك، وترى الأمور كما يراها الله، فلا تُخدع بإغراءات العالم، وتدوس بالعز على كل مغرياته.

ثانياً:  الاختيار البشري والقرارات الخاطئة
«فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ ... وَنَقَلَ خِيَامَهُ إلى سَدُومَ» (تكوين 13: 11 – 12). 

لم يطلب لوط الرب ولم يصل لأجل هذا الأمر، ولم يستشر عمه إبراهيم.  ولكنه قرر الأنفصال عن عمه وعن الخيمة والمذبح وعن حياة القداسة والشركة مع الله، وأن يتجه نحو سدوم وعمورة.

رفع لوط عينيه ونظر ورأى سدوم، ولم يرفعها إلى الرب ليأخذ منه المشورة،ثم اختار بنفسه، لنفسه ولم يطلب إختيار الرب.  فكانت النتيجة النهائية قرار خاطئ وتصرف خاطئ.إذ نقل خيامه إلى سدوم.

أحياناً قد نبدأ بطريقة صحيحة وبحسب فكر الرب ولكن عند منعطفات الحياة، وأمام إغراءات العالم؛ نجد انفسنا نأخذ قرارات خاطئة.  قد يكون القرار الأول أو الأصلي صائباً ولكن القرار الثاني أو الفرعي ليس بحسب فكر الرب. لذلك احذر من القرارات الخاطئة. 

ربما قد تأخذ قراراً بالارتباط ليس بحسب فكر الرب، بدلاً من أن تنتظر الرب ليعطيك فكره ومشيئته من نحوك.  أو تأخذ قراراً بترك العمل الذي يوفر لك وقتاً لنفسك وأسرتك وخدمتك وتتجه نحو عمل آخر يستهلك وقتك ويستنذف صحتك، وتترك الخدمة التي ائتمنك الرب عليها سعياً وراء مجد بشري أو راحة جسدية او غيرها. 

لذلك أخي القارئ،
 دعنا لا نختار لأنفسنا بل ننتظر الرب فهو «يَخْتَارُ لَنَا نَصِيبَنَا» (مزمور47: 4). ودعنا نصلي أكثر وننتظر لكي نختبر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة في حياتنا.

مجدي صموئيل