Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الرابع: 7
الغرور وعلاجه

الرب في نعمته الغنية لم يترك هاجر مع كونها جارية أممية، لتعاني من داء الغرور ونتائجه المريرة.  لكنه تعامل معها وأرجعها عن طريق التمرد والتيهان.  فمع أنها هي التي أخطأت وتكبرت وتمردت وتركت بيت إبراهيم، وكان يمكن للرب أن يتركها تحصد نتائج ما صنعت يداها، لكنه لم يتركها لغباء قلبها، بل ظهر لها ملاك الرب وتقابل معها ليرجعها عن غرورها وكبريائها قائلاً لها:  «ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا»  (تكوين 16: 9).

وهذا ما يعمله الرب معنا عندما نضل ونتوه بسبب غرورنا وكبريائنا، فهو لا يتركنا في ضلالنا، لكنه يتعامل معنا ليرد نفوسنا إليه.
 
لقد تعامل الرب مع هاجر عندما أصيبت بهذا المرض عن طريق ثلاثة أمور أساسية، قد يتعامل الرب معنا أيضاً بها.

أولاً:  الرب يبحث عن هاجر ويجدها
لقد وجدها ملاك الرب على عين الماء التي في برية شور.  فقد كانت تائهة وهاربة من وجه سارة، ولكن نعمة الله العظيمة تقابلت معها وأعترضت طريقها.  ومن عبارة:  «وَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ» (تكوين 16: 7)، نرى أنه كان يبحث عنها.
 
وهكذا الرب في نعمته الغنية يبحث عن كل شخص بسبب غرور الغنى وكبرياء القلب، اتعب نفسه وقلبه وخسر الراحة والبركة، مثلما خسرت هاجر عندما هربت وتركت خيمة إبراهيم.
 
لقد هربت هاجر إلى الضياع وهناك تقابلت معها نعمة الله الغنية في شخص ملاك الرب الذي هو شخص المسيح قبل التجسد.

 والشئ العجيب للغاية والذي يجعل الذهن يتحير والقلب يتعجب ويسجد، أن أول ظهور لملاك الرب كان لهاجر الجارية الأممية.  وذلك ليرينا محبة الرب لكل الأمم والشعوب، وأنه يريد جميع أن الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.  فكل من يؤمن به لن يهلك كما وعد.  «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأبديه» (يوحنا 3: 16).

وهذا ما يفعله الرب معنا.  فقد شبه نفسه بالراعي الذي يبحث عن خروفه الضال حتى يجده قائلاً:  «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ لَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَأَضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا، أَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَيَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ»  (لوقا 15: 4، 5).

أخي القارئ إن كنت خلال هذه الفترة تمر بظروف مشابهة وتشعر أنك تعاني من قرارات خاطئة أخذتها في حياتك، لا تيأس ولا تفشل وأيضاً لا تعاند ولا تقاوم.  ولكن ثق أن الرب يريدك ويبحث عنك، فهو يراك وإن كنت لا تراه. 
إنه قريب منك حتى أن كنت تشعر أنه بعيد عنك. 
«مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا. لأننَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» (اعمال 17: 27، 28).

إنه يبحث عنك إينما كنت. 
إنه رأى نثنائيل وهو تحت الشجرة.  «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ، رَأَيْتُكَ» (يوحنا 1: 48).
 
وقد رأى زكا فوق الشجرة.  «يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأنهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ»  (لوقا 19: 5).

وقديماً نادى الرب على آدم وهو خلف الشجرة، «أَيْنَ أَنْتَ؟»  (تكوين 3: 9).
 
إنه يراك ويبحث عنك.  لا تهرب من الرب بل بالعكس أهرب إلى الرب لأن «اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ» (امثال 18: 10).

ثانياً:  الرب يُكلم هاجر
لقد تكلم الرب مع هاجر قائلاً:  «يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ أتيتِ؟ وَإلى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟» (تكوين 16: 8).  لقد تكلم الرب مع هاجر ودعاها باسمها، فهو يعرفها ويعرف اسمها ويعرف ظروفها. 

أنه يعرفك أنت أيضاً، اخي القارئ.  ويعرف ظروفك التي قد لا يعرفها البشر من حولك.   إنه يعرف اسمك ويتكلم إليك شخصياً، ويدعوك دعوة شخصية، أن تاتي إليه، لتختبر فداؤه العظيم. 
«لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي» (اشعياء 43: 1).
إنه يدعوك إليه لتختبر الراحة الحقيقية قائلاً:  «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأنا أُرِيحُكُمْ»  (متى 11: 28).
إنه يتكلم إليك من خلال معاملات الرعاية الإلهية اليومية معك.

إنه يتكلم إليك في أعماقك.  «جَعَلَ الأبديه فِي قَلْبِهِمِ» (جامعة 3: 11).
 
إنه يتكلم إليك من خلال الاجتماعات والبرامج المسيحية.

 إنه يتكلم إليك من خلال كلمته الحية.

إنه يتكلم إليك من خلال العظات ويتكلم إليك من خلال النبذات والكتب الروحية.

إنه يتكلم إليك ومعك الآن من خلال هذا الكتاب، فهل تتجاوب مع صوته؟  ليتك تحني رأسك أمامه وترفع قلبك إليه قائلاً:  يا رب يا من تبحث عني وتتكلم معي، ها أنا أعود إليك تائباً ومعترفاً بغروري وكبريائي، فأعني وغيرني.

ثالثاً:  الرب يرجع هاجر
«ارْجِعِي إلى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا» (تكوين 16: 9). لقد أعلن الرب لهاجر أن العلاج لن يكون بالهروب والتمرد والعناد ولكن بالرجوع والخضوع.  حتى أن كان الرجوع الى سارة وبيت ابراهيم صعب عليها ولكن هذه هي مشيئة الرب.

وهذا ما يحدث معنا أحيانا عندما يعلن لنا الرب أن الحل الحقيقي لمشاكلنا هو الرجوع الى الرب وتقديم التوبة الحقيقية له ولكن بسبب كبريائنا وعنادنا نرفض علاج الرب لحياتنا.
 
أخي القارئ ماذا تختار؟ أن ترجع وتعود إلى الرب تائباً، أم تمضي في طريق قلبك تائهاً.  ليس الحل هو أن تهرب من الرب بل أن ترجع إلى الرب. «بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ» (اشعياء 30: 15).

 عندما وجه الرب هذه الكلمات الى هاجر أن ترجع، كانت قرب الحدود مع مصر، وكأنها كانت تنوي الرجوع إلى مصر كحل لمشكلتها.  ولكن اخي القارئ ليس الحل ان ترجع إلى مصر بل ان ترجع إلى الرب.  فلا تحاول الهروب بل ارجع إلى الرب الهك. 

فأن كان كلام الرب لهاجر أن ترجع وتخضع لمولاتها فكلام الرب لك: ارجع للرب واخضع لمشيئته.  لا تعاند وتقاوم مشيئته بل ارجع إليه واخضع لمعاملاته معك.

الحل الحقيقي لمشكلة الابن الضال بدأ عندما رجع إلى نفسه وقال: «كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لابي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأنا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إلى ابي وَأَقُولُ لَهُ: يَا ابي، أَخْطَأْتُ إلى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ» (لوقا 15: 17 – 19). 
هل تعود إلى الرب وتعيش حياة التوبة؟  هل تخضع للرب وتقبل معاملاته بشكر؟

مجدي صموئيل