Magdy Samuel

تأملات من "كتاب دليل المهاجر"

الباب الأول
بركات حياة الغُربة

هناك بركات كثيرة تمتع بها إبراهيم وتستطيع أن تتمتع بها أنت أيضاً أخي القارئ، إن كنت تسلم حياتك وغربتك للرب إلهك. سنتأمل معاً في بعض هذه البركات التي تمتع بها أبو المؤمنين، رجل الله إبراهيم.

أولاً:  معرفة الرب
لقد كان أهل إبراهيم وعشيرته يعبدون الأوثان.  حتى بعد هجرة إبراهيم بفترة زمنية طويلة استمروا في عبادة الأوثان.  فقد قال لابان الذي هو ابن أخو إبراهيم ليعقوب:  «لِمَاذَا سَرَقْتَ آلِهَتِي؟» (تكوين 31: 30).  فقد كانت عشيرة إبراهيم تعبد الأوثان حتى ذلك الوقت.

لاحظ أن الرب لم يعط إبراهيم الوعد بالبركة «ابارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً»  (تكوين 12: 2).  وهو في أور الكلدانين، بل بعد أن خرج من أرضه وعشيرته وهو في حاران.

ثانياً:  الشركة مع الرب
وهذا ما حدث مع إبراهيم إذ دعي خليل الله، أي صديق الله.  فقد كانت له شركة قوية بالرب. وتعمقت هذه الشركة أكثر مع مرور السنوات.

حتى أن الرب عندما غضب على أهل سدوم وعموره وأراد اهلاكهم، تكلم مع إبراهيم في هذا الأمر.  وقال الرب «هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ» (تكوين 18: 17). 

كما أن إبراهيم من خلال شركته القوية بالرب ومعاملات الرب معه في مواجهة تحديات الحياة المختلفة، قد عرف صفات الرب.  فقد عرف أن الرب ديان لكنه عادل لا يهلك البار مع الأثيم، إذ قال له: «! أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟» (تكوين 18: 25). 


ثالثاً:  الإيمان بالرب
ما يميز حياة إبراهيم هو السلوك بالإيمان، فهو رجل الإيمان.  فقد دعاه الرب للخروج من أرضه حيث كان يعتمد في الزراعة والمعيشة على نهري أور الكلدانين، إلى أرض كنعان التي يعتمد فيها على المطر الذي يرسله الرب من السماء .  وهكذا أصبح لا يتكل على نهرى أور الكلدانين، بل على نهري إلهه، نهر محبة قلبه المتدفق ونهر قدرة ذراعه القوية.

رابعاً:  الشهادة للرب
لقد كان إبراهيم طوال رحلة الغربة والهجرة شاهداً أميناً للرب، ونوراً وسط ظلام الأمم وشرهم.

خامساً:  البركات المادية
عندما اعطى الرب إبراهيم واغناه، كان سبب بركة لكثيرين.  فقد اضاف الرب وملاكيه بكرم وسخاء وصنع لهم وليمة عظيمة.  وعندما تعرض لوط للسبي لم يتردد في الذهاب مع عبيده  ليخلص لوطا وعائلته، رافضاً كل عطايا ملك سدوم لتعويضه.

سادساً:  النجاح الزمني
وهذا ما حدث مع إبراهيم في أرض كنعان، فقد باركه الرب وأنجح عمله.  وأيضاً مع اسحق، فقد باركة في أرض غربته بركات عظيمة، وحتي رغم الظروف الصعبة والجفاف من حوله.
«زَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ فَأَصَابَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَبَارَكَهُ الرَّبُّ. فَتَعَاظَمَ الرَّجُلُ وَكَانَ يَتَزَايَدُ فِي التَّعَاظُمِ حَتَّى صَارَ عَظِيمًا جِدًّا»  (تكوين 26: 12، 13).

وكثيراً ما نرى مؤمنين انجح الرب طريقهم في مجالات مختلفة وصاروا نموذجاً رائعاً للنجاح الروحي والزمني أيضاً.

«أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ ... فَنَجَحَ دَانِيآلُ هذَا فِي مُلْكِ دَارِيُّوسَ وَفِي مُلْكِ كُورَشَ الْفَارِسِيِّ»  (دانيال 1: 8 و6: 28).

فالرب لا يريد من المؤمن أن يعيش منعزلاً عن هذا العالم.  بل يريده أن ينجح ويتفوق ويتقدم في كل تكنولوجيا العصر، ولكن ينعزل عن كل نجاسات العالم.

سابعاً:  انتظار الرب
وهذا ما حدث مع إبراهيم في أرض كنعان، فعلى الرغم من كل النجاح الذي حققه، إلا أنه عاش غريباً.  ولم يبني بيتاً بل سكن في خيمة، لأنه كان ينتظر المدينة السماوية.  إذ يقول الكتاب عنه:

«بِالإيمان تَغَرَّبَ فِي أرض الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِنًا فِي خِيَامٍ ... لأنهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ» (عبرانين 11: 9 ، 10).

وهنا يلمع إيمان إبراهيم فمع أنه مؤمن العهد القديم، الذي دعوته وبركاته أرضيه، لكنه بالإيمان تغرب في أرض الموعد.  وهذا ما يخجلنا نحن مؤمني العهد الجديد، اصحاب الدعوة والبركات السماوية، لكننا بالعيان نستوطن في أرض الغربة.

لذلك ليت الرب يعين قلوبنا لنعيش كغرباء ونزلاء في هذا العالم فنهتف قائلين: «لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ». (عبرانين 13: 14).

 

مجدي صموئيل